بكل سرور، إليك موضوعًا تعبيريًا بلاغيًا، يبدأ بعبارة
"هلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟"
ويُعالج موضوع الغش بأسلوب أدبي راقٍ، يحمل التشبيهات والصور البلاغية والتراكيب القوية:
---
هلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟
يا لها من جملة، قصيرة الألفاظ عظيمة المعاني، نطق بها خير من نطق بالصدق، لتكون سوطًا على ظهر كل من غشّ، ومرآةً تعكس قبح الخداع حين يُغلف بغلاف الأمانة. لم تكن تلك الكلمات مجرد استفسار، بل كانت صفعة للضمير، وإيقاظًا للغافلين.
في مشهد بسيط، اقترب النبي ﷺ من صُبرة طعام، فمدّ يده الطاهرة لتستقر في أعماقه، حيث الظلام والرطوبة، حيث الحقيقة المدفونة تحت قشرة الخداع. فوجد بللًا، لا يُرى، لكنه يُخفي خلفه نيةً خبيثة. قال للبائع: "ما هذا؟" قال: "أصابته السماء". فردّ المصطفى ﷺ بلهجة العتاب: "هلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟" ثم أطلق حكمه الخالد: "من غشنا فليس منا."
أرأيت؟ لم يكن الغشُّ سلعةً فاسدة وحسب، بل كان وجهًا قبيحًا يختبئ خلف قناعٍ من الابتسامات الزائفة. الغش ليس في البيع فقط، بل في القيم، في السلوك، في الضمير. هو أن تُظهر ما يُطمئن، وتُخفي ما يُهلك. هو خيانة في رداء الأمانة، وظلم يختبئ في عباءة العدل.
الغش كالدخان، قد يعلو، لكن لا يلبث أن يتلاشى، ويترك خلفه رماد الثقة المحترقة. والغاش، كمن يزين طعامه بالبهار ويُخفي فيه السُّم، يخدع العيون، لكنه لا يخدع الحق.
فيا من غرّك ظاهر النجاح، ويا من زين لك الشيطان طريق الحيلة، قف وتأمل:
هلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟
هلا أظهرت الحقيقة، وجعلت الصدق عنوانك؟ فإن صدقت، أزهر قلبك، وإن غششت، عميت بصيرتك، وسقطت من عين الله قبل أن تسقط من أعين الناس.
---